ما الثورة وإما الانتحار.. خياران لا ثالث لهما عندما تعيش زمن الضباع، عندما يسود الضبع ويحكم، فهذه هى النهاية، وهذا هو فصل الختام.. هذا ما قرأته بين سطور تلك الرواية النبوءة التى كتبها المستشار أشرف العشماوى قبل ثورة يناير بسنوات وظلمها صدورها بعد قيام تلك الثورة، فبعد أن فك الشعب الرموز وصار كل شىء على المكشوف، يكون وقع صدى تلك الرواية المهمة خافتاً وسط الضجيج والصخب.. الرواية مكتوبة بالرمز عن غابة، على غرار رمزية «كليلة ودمنة»، وقلقى على مثل تلك الأعمال الفنية المهمة هو اختزالها فى معادلات رياضية أوتوماتيكية ساذجة لفك الرموز، مثلما فعل البعض مع رواية «أولاد حارتنا» أو مع فيلم «المهاجر»، ونسيان أو تناسى مستويات أخرى أهم للعمل الفنى تكون أكثر تجريداً وجمالاً وتأثيراً، فمن سيقرأ الرواية بطريقة فك الشفرة ويدون فى ورقة جانبية، الضبع هو وزير الداخلية والأسد هو رئيس الجمهورية.... إلخ، من سيفعل ذلك سيغتال الرواية فى مقتل، فالأعمال الفنية لا تُقرأ بهذا الأسلوب التلغرافى، فالأسد من الممكن أن يكون فكرة أو سلوكاً، لو تمكن منك وملأ ضميرك ووجدانك، ستكون أسداً، وبالوضاعة والجبن والخسة من الممكن أن يتحول أى بنى آدم إلى ضبع.

الرواية غنية بالأحداث، إيقاعها سريع، تركيبها مثل تركيب الغابة والأحراش، لابد أن تبتعد عن المشهد مسافة وتلتقط أنفاسك، كى تفك التفاصيل وتعيد ترتيبها، ستجد نفسك منذ أول وهلة قد تغاضيت عن اقتحام تفاصيل العصر الحديث، من موبايلات وعمارات وتليفزيونات... إلخ، وتصالحت مع دخولها إلى عالم الغابة، وكتبت عقداً سرياً بينك وبين المؤلف بقبولك هذه التفاصيل وغيرها، مما يجعل الغابة هى هذا الكون الفسيح أو الوطن مترامى الأطراف أو الحياة ببلورتها السحرية متعددة الأوجه والأطياف، ستقبل الثعلب بطل الرواية وهو مسؤول عن المعلومات، ستنفعل ضد الخرتيت الذى حل محل الأسد، ستصرخ فى وجه فرس النهر: «انفض عنك كسلك»، ستحتقر جوقة النفاق من القرود والطواويس، ستتوقع ولن تصيبك الدهشة حين يعود الديناصور، بعد أن ظننت أنه قد انقرض ليبيع ويشترى ويحتكر، ستحبس أنفاسك حين تشتعل المعركة بين الثعلب والضبع فى نهاية الرواية، وأنت تخمن من سينتصر فى النهاية؟ وهل يُعد منتصراً من فاز على خصمه والغابة تحت قدميه أطلال وأشلاء؟!

الضبع من الحيوانات التى شكلت صفاتها الثقافة الشعبية أكثر من علم البيولوجى، فعندما تقول «سبع» أو «ضبع»، إذن أنت منذ البداية تحكم على الضبع بالخسران، لست واثقاً من دقة معلوماتى بمنظار علم الحيوان، لكنى سأنقل بصمات الوعى الجمعى الشعبى تجاه الضبع، وهو حيوان خسيس، كريه، بشع الرائحة، يأكل الجيف، تتقبل معدته ما ترفضه الأسود والنمور، مثل الحوافر والجلود والجماجم، قصير العنق، أحدب الظهر، أعرج المشى، صوته ضحكات منبوحة كالعويل، الذئب بالنسبة إليه ملاك!!!

هل ترضى بأن تعيش زمن الضباع؟.. اقرأ الرواية ستعرف الإجابة.